فصل: ولاية المنتصر ابن السلطان أبي علي على مراكش واستقلاله بها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ظهور دعوة السلطان أبي العباس في مراكش واستيلاء أوليائه عليها.

كان الوزير مسعود بن ماسي قد ولى على مراكش وأعمال المصامدة أخاه عمر بن رحو وكانت منتظمة في طاعته فلما بلغ الخبر بوصول السلطان إلى سبتة واستيلائه عليها قامت رؤوس أوليائه إلى إظهار دعوته بتلك النواحي فقام بدعوته بجبل الهساكرة علي بن زكريا وبعث الوزير مسعود من مكانه في حصار السلطان بالصفيحة في أمداده بالعساكر من مراكش فزحف إليه مخلوف بن سليمان الوارتيبي صاحب الأعمال ما بين مراكش والسوس وقعد الباقون عن نصره وتفرقوا وصعد أبو ثابت حافد علي بن عمر إلى جبل الهساكرة ومعه يوسف بن يعقوب بن علي الصبيحي فاستمد علي بن زكريا ورجع إلى مراكش مجلبا على علي ابن رحو مناوشة القتال ساعة ثم غلبه على البلد وملكها من يده ونزل بقصبة الملك وحبس عمر بن رحو بها وكتب للسلطان بذلك وهو بمكناسة متوجها إلى فاس فكتب إليه بأن يصله بعساكر مراكش لحصار دار الملك فجمع العساكر واستخلف على قصبة مراكش بعض بني عمه ولحق بالسلطان وأقام معه في حصار البلد الجديد والله أعلم.

.ولاية المنتصر ابن السلطان أبي علي على مراكش واستقلاله بها.

كان السلطان أبو العباس حين ملك المغرب بعث ابنه المنتصر في البحر إلى سلا واستوزر له عبد الحق بن يوسف الورتاجني فوصل إلى سلا وأقام بها ومر به رزوق بن توفريطت راجعا من دكالة حين نزول السلطان على البلد الجديد فتلطف في استدعائه ثم قبض عليه وبعث به لأبيه مقيدا فأودعه السجن وقتل بعد ذلك بمحبسه ثم بعث السلطان إلى ابنه المنتصر بولاية مراكش وأن يسير إليها فلما وصل إلى مراكش امتنع النائب بالقصبة فدس لعبد الحق وزير المنتصر أن النائب قد هم بقتله وحينئذ يمكن المنتصر من القصبة فأجفل بالمنتصر وصعد إلى جبل هنتاتة وطير بالخبر إلى السلطان فتغير لأبي ثابت وأمره أن يكاتب نائبه بتمكين ابنه من القصبة واستوزر له سعيد بن عبدون وبعثه بالكتاب وعزل عبد الحق عن وزارة ابنه واستدعاه لفاس فوصل سعيد بن عبدون إلى مراكش ودفع إلى النائب بالقصبة كتاب مستخلفه إلى الامتثال وأمكنه من القصبة واعتزل عنها فدخلها وبعث عن المنتصر ابن السلطان واستولوا عليها وقبضوا على نائب عامر الذي كان بها وسائر شيعته وبطانته وامتحنوهم واستصفوهم إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.حصار البلد الجديد وفتحها ونكبة الوزير ابن ماسي ومقتله:

لما نزل السلطان على البلد الجديد واجتمع إليه سائر قبيلته وأوليائه وبطانته داخل الوزير مسعودا الحنق على بني مرين لانتباذهم عنه فأمر بقتل أبنائهم الذين استرهنوهم على الوفاء له فلاطفه يغمراسن السالفي في المنع من ذلك فأقصر عنه وضيق السلطان مخنقه بالحصار ثلاثة أشهر حتى دعا إلى النزول والطاعة فبعث إليه ولي الدولة ونزمار بن عريف وخالصته محمد بن علال فعقد لهم الأمان لنفسه ولمن معه على أن يستمر على الوزارة ويبعث بسلطانه الواثق إلى الأندلس واستحلفهم على ذلك وخرج معهم للسلطان فدخل السلطان البلد الجديد خامس رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه ولحين دخوله قبض على الواثق وبعث به معتقلا إلى طنجة وقتل بها بعد ذلك ولما استولى على أمره قبض على الوزير ابن ماسي ليومين من دخوله وإخوته وحاشيته وامتحنهم جميعا فهلكوا في العذاب ثم سلط على مسعود من العذاب والانتقام ما لا يعبر عنه ونقم عليه ما فعله في دور بني مرين النازعين إلى السلطان فإنه كان متى هرب عند أحد منهم يعمد إلى بيوته فينهبها ويخربها فأمر السلطان بعقابه في أطلالها فكان يؤتى به إلى كل بيت منها فيضرب عشرين سوطا إلى أن قتله العذاب وتجاوز الحد ثم أمر به فقطعت أربعته فهلك عند قطع الثانية فذهب مثلا في الآخرين.

.وزارة محمد بن علال.

كان أبوه يوسف بن علال من رؤساء الدولة وصانعة السلطان أبي الحسن وربي في داره ولما ضخم أمره سما به إلى ولاية الأعمال فولاه على درعة فانتزى وانتخب أولياء الدولة ثم ولاه السلطان أبو عنان أمر طنجة ومائدته وضيوفه واستكفى به في ذلك وولاه أخوه أبو سالم بعده كذلك ثم بعثه إلى سجلماسة فعانى بها من أمور العرب مشقة وعزلها عنها وهلك بفاس وكان له جماعة من الولد قد نشؤا في ظل هذه النعمة وحدبت النجابة بمحمد المذكور منهم فلما استولى السلطان أبو العباس استعمله في أمور الضيوف والمائدة كما كانت لأبيه ثم رقاه إلى المخالصة وخلطه بنفسه فلما خلع السلطان واستولى الوزير ابن ماسي على المغرب وكانت بينه وبين أخيه يعيش بن ماسي إحن قديمة فسكن لصولتهم حتى إذا اضطرمت نار الفتنة بالمغرب وأجلبت عرب المعقل الخلاف فاستوحش محمد هذا فلحق بأحيائهم مع رزوق بن توفريطت كما مر ذكره ونزل على يوسف بن علي بن غانم شيخ أولاد حسين وأقاما معه في خلافه حتى إذا أجاز السلطان الواثق إلى الأندلس ووصل مع أصحابه إلى جبل رزهون وأظهروا الخلاف على ابن ماسي بادر محمد هذا ورزوق إلى السلطان ودخلا في طاعته متبرئين من النفاق الذي حملهم عليه عداوة الوزير ابن ماسي فما كان إلا أن انعقد الصلح بين الواثق وابن ماسي وسار به وأصحابه إلى فاس وحصلوا في قبضة ابن ماسي فعفا لهم عما كان منهم استعملهم في مهود ولايتهم ثم جاء الخبر بإجازة السلطان أبي العباس إلى سبتة فاضطرب محمد بن يوسف وذكر مخالصة السلطان ومنافرة ابن ماسي فأجمع أمره ولحق بسبتة فتلقاه السلطان بالكرامة وسر بمقدمه ودفعه إلى القيام بأمر دولته فلم بزل متصرفا بين يديه إلى أن نزل إلى البلد الجديد ولأيام من حصارها خلع عليه الوزارة ودفعه إليها فقام بها أحسن قيام ثم كان الفتح وانتظم أمر الدولة ومحمد هذا يصرف الوزارة على أحسن أحوالها إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.